نطاق مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :
إذا أمعنا النظر في مفهوم شرط المعاملة بالمثل أو التبادل على النحو المتقدم نجد بأنه لا معاملة بالمثل ولا تبادل فيما يتعلق بالإجراءات الواجب اتباعها عند التقدم بطلب إصدار الأمر بالتنفيذ ، لأن تلك الإجراءات تدخل ضمن قواعد المرافعات ، فتخضع لقانون القاضي الذي ينظر في طلب التنفيذ ([12]) ، كما أن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لا يتناول الجهة القضائية المختصة بإصدار الأمر بالتنفيذ ([13]) ، فهي قد تكون في دولة معينة قاضي الأمور الوقتية ، وقد تكون في دولة أخرى قاضي التنفيذ ، وقد تكون في دولة ثالثة رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها المحكوم عليه وهكذا … فاختلاف هذه الجهات والإجراءات الواجب اتباعها أمامها لا يعني عدم قيام شرط المعاملة بالمثل أو الإخلال به .
فشرط المعاملة بالمثل لا يطبق فحسب في تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية بل يطبق أيضاً في تنفيذ الأوامر الأجنبية ، وفى تنفيذ أحكام المحكمين ، وفى تنفيذ السندات الأجنبية ويتعين على المحكمة المطلوب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ ، أن تتحقق من تلقاء نفسها من توافر شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ([14]) .
وأما عن تحديد الوقت الذي يعتد فيه بتوافر شرط المعاملة بالمثل أو التبادل من عدمه فقد تعرض القضاء الألماني لهذه المشكلة ، وقرر وجوب التفرقة بين ما إذا كان صاحب المصلحة قد طلب تنفيذ الحكم الأجنبي في ألمانيا ، أو أنه قد تمسك فقط بحيازة هذا الحكم لحجية الشيء المقضي به ، ففي حالة طلب تنفيذ الحكم الأجنبي ، يتعين أن يكون شرط المعاملة بالمثل أو التبادل متوافراً عند التقدم بطلب التنفيذ ، أما إذا كان المحكوم له قد تمسك بحجية الحكم الأجنبي ، فيكفي أن يكون شرط المعاملة بالمثل أو التبادل قد توافر عند تمتع الحكم الأجنبي بهذه الصفة ( حجية الشيء المحكوم به ) في الدولة الأجنبية ([15]) .
إلا أنه لا يمكن التسليم بما ذهب إليه القضاء الألماني ، لأن التفرقة التي قال بها ستؤدي إلى نتائج غير مقبولة ، إذ أنه من المتصور وفقاً لهذا الاتجاه أن يتمتع الحكم الأجنبي بحجية الشيء المقضي به ، إذا كان شرط المعاملة بالمثل أو التبادل متوافراً عند صدور الحكم أو صيرورته نهائياً ، بينما لا يصح تنفيذ هذا الحكم ما دام أن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لم يعد متوافراً عند طلب التنفيذ ، ويؤدي ذلك إلى إنكار العدالة ، لأن المحكوم له لن يستطيع تنفيذ الحكم الأجنبي لتخلف شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ، في الوقت الذي لن يتمكن فيه من رفع دعوى جديدة ، لوقوف حجية الحكم الأجنبي حائلاً يمنعه من تجديد النزاع مرة أخرى ([16]) لذلك فإن العبرة بتوافر شرط المعاملة بالمثل عند التمسك بحجية الحكم الأجنبي أو عند الأمر بتنفيذه ، لأن حجية الشيء المقضي به والقوة التنفيذية هما مظهران لنفاذ الحكم ، وإن كان الأول مظهراً سلبياً ، والثاني مظهراً إيجابياً ([17]) .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل يمتد شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ليتناول الشروط الخارجية للحكم الأجنبي ؟
باعتبار أن هناك بعض القوانين تنص على شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لتنفيذ الحكم الأجنبي ، وتنص في ذات الوقت على ضرورة توافر شروط أخرى لتنفيذ ذلك الحكم الأجنبي كما هو الحال في القانون المصري عندما نص في المادة 296 مرافعات على أنه " يجوز للقاضي المصري أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي بنفس الشروط التي يقررها قانون الدولة الصادر منها هذا الحكم لتنفيذ الأحكام المصرية فيه " ، وفى ذات الوقت نص في المادة 298 مرافعات على أنه " لا يجوز للقاضي المصري أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إلا بعد التحقق من توافر شروط معينة تم تعدادها في صدر هذه المادة " .
ذهب شراح القانون الدولي الخاص المصرين في الإجابة على هذا التساؤل لتبرير موقف واضعي القانون المصري إلى القول بأنه : يجب أن يفسر ذلك على أنه مزج بين مبدأ الرقابة ومبدأ المعاملة بالمثل ، ولهذا يمكن القول أن الشروط التي عددها القانون المصري في المادة 298 مرافعات ، هي الشروط الخارجية أو الأساسية التي تمثل الحد الأدنى الذي يلتزم القاضي المصري بالتحقق من توافره طبقاً لمبدأ المراقبة ، ولا يصح له النزول عنها ولو بمقتضى مبدأ المعاملة بالمثل بمعنى أنه لو كان قانون الدولة الأجنبية الصادر منها الحكم المراد تنفيذه في مصر يضع شروطاً أقل لتنفيذ الأحكام المصرية في تلك الدولة الأجنبية أو أنه لا يستلزم أي شرط في هذا الشأن ، فالقاضي المصري ملزم بالرغم من ذلك بمراقبة الحد الأدنى من الشروط الواردة بالمادة 298 مرافعات ، أما في الحالة العكسية حين يتطلب قانون الدولة الأجنبية شروطاً أخرى تزيد أو تختلف عن ذلك الحد الأدنى فعلى القاضي المصري أن يضيف هذه الشروط الأخرى التي يمليها مبدأ المعاملة بالمثل على الحد الأدنى ([18]) .
ومثل هذا التفسير تقضيه ضرورة مزج مبدأ المعاملة بالمثل بالشروط الأخرى التي تمثل حداً أدنى لما يلزم توافره في الحكم الأجنبي ، ولا يهم بعد ذلك وصف النظام القائم في الدولة الأخرى في شأن تنفيذ الأحكام الأجنبية فيها ، لذلك فإن مبدأ المعاملة بالمثل يكون قائماً حين يطلب من القاضي المصري تنفيذ حكم إنجليزي لأن القانون الإنجليزي يجيز تنفيذ الحكم المصري من حيث المبدأ مع أخذه بنظام الدعوى الجديدة ، فيعتبر الحكم المصري دليلاً قاطعاً على ثبوت الحق بمقتضاه بالرغم من أن القاضي المصري يتحقق من شروط الحد الأدنى الواجب توفرها في الحكم الإنجليزي ([19]) ، فبالرغم من اختلاف الوسيلة المتبعة فإنها توصل إلى نفس النتيجة ([20])